Sunday, July 10, 2011

رائحـــــــــــــــــة المطــــــــــــــــــــر

 من كتابى غرفة بسرير مفرد

محطة الرمل،وسط المدينه ،الاسكندريه بحق ،زحام ومبان عتيقه والوان من الماضى المنمق..... اعشق الاسكندريه لها نكهة خاصة تدعونى دوما الى خلع ثوب الاعوام واعود بريئه تلفنى الاحلام والامال ... حنين غريب ومشاعر قد اكون نسيتها ، يسرى فى اواصلى دفء لذيذ 
 انتظر تاكسي ليقلني إلى المنتزه حيث الفندق الذي اسكنه دائما حين ازور معشوقتي   لا ادرى كم مر من الوقت وانا انتظر
فاجأتنى السماء بهديه  
زخات مطر خفيفة محملة برائحة رقيقه لا تخطئها أنفي أبدا، وبعفوية تامة وجدتني أمد يدي جاعله من كفى وعاء املاؤه من ذلك الساحر العذب ، ومن ثم قربت يدي الملأى من انفى وتنفست بعمق  
عاده لازمتني ،واحبها ، فما آن يلتقط أنفى رائحة ما حتى تتحول إلى مفتاح لخزائن قلعة ذكرياتي المنيعة،يعيد إلى كل التفاصيل والأشخاص حتى همساتهم والتفاتاتهم تدور حولي ، تحييهم واعود لاعيش تفاصيل اللحظه كحقيقه واقعه لا ذكرى باهته
لمحتها على الرصيف المقابل جميلة، وهزيله ترتدى ثوبا رقيقا  من الصوف الأخضر الخفيف، يلفها معطف محبوك عليها ،لم استطع تمييز لونه لا لشي اكثر من اهتراءه
فى كتفها علقت شنطه كبيره ،يئن بها كتفها الهزيل ،وتلف راسها  بايشارب غطت به خصلات شعرها الناعمة ،فركت يديها ونفخت فيهما ملتمسة بعض الدفء ثم أعادتها لجيوبها
آخذت انظر إليها من الجانب الآخر وقد انقسم  العالم الى قسمين متساويين ،شاطئين وكل منا يقف عند شاطئه  يرقب الجزء الثاني من الدنيا
لم استطع تحديد عمرها ،ليست امرأة ناضجة أكسبتها الحياة جمال الفاكهة الجاهزة للآكل ،ولا هي فتاه صغيره كذلك  
بعيونها نظره غريبه موحشه ،ليس بهما لا حزن ولا فرح ،ليس بهما شىء ،وكانها لاتبالى ،تسكنها هذه الفكره ، تصبغها  و تطل منها دون خجل لتعلن عن وجودها بجرأة ،ولا تبالى
جمدت عن اى حركه ، مرت نسمه دافئه ،أرتكنت على كابل التليفونات الرمادي ، السخيف ، أخرجت علبتين ، تدلى راسها على صدرها قربت احداهن الى وجهها تتفحصها ، اخرجت منها شيئا رصت معداتها وبحذر اضافت شيئا وخلطته مع التبغ جاعله من أصابعها مصحنه له ، نفضت إصبعيها ..لفت سيجارتها وبطرف لسانها أتمت مهمتها
   نظرت الى ،فالمنى انها ادركتنى
شعرت بالدخان يزلزل كيانها ،ومن رقة جلدها رايته ينفذ الى رئتيها  ،اغمضت عينيها في سعادة ،وكأن الأنفاس التى ابتلعتها غيرت كيانها ،جعلت منها انسانه أخرى اذابتها نشوى لا ادرى كنهها
مرت سياره فارهه يقودها فحل سمين ،لا ادرى لم هو مصر على الوقوف أمامي أزعجني نفير سيارته وحركاته السوقية ،هززت رأسي بعصبية فقد شوش على أفكاري وقطع رؤيتي ،انطلق فاقدا الأمل
صوت صهيل صاخب أدرت رأسي مذعورة ،حصان يافع يجر حنطورا قديما ،عجوز شقى ،يرفض عناد ذلك المسكين الذى تعثر في بركه ماء...اصوات عاليه ،وصوت الكرباج يشق الهواء ،دون رحمه ،اصاب العجوز الصمم والعمى  معا فلا هو يسمع لتوسلات الناس بالكف ،ولايرى نظرات حصانه الطالبه للرحمه والعتق
ضايقني المنظر والم قلبي عدت لمكانى ،لم اعد أرها ،فتشت عنها تنقلت نظراتى مذعوره ،قفزت من رصيف الى اخر ... لم أدركها، تبخرت
انتبهت إلى أني لم أزل مادة يدي في ذلك الوضع الغريب أغلقت يدي وقد يأست من البحث عنها لوحت لسياره أجره بعصبية المنتزه
ارتميت فيها وفتحت الزجاج ، لفحتني نسمه بارده ،تنهدت وارخيت ظهرى على المقعد
رأيت سياره ذلك السمين جاثمة  أمام مبنى شاهق
ظلت صورتها معلقه بذهنى واضفتها لرصيد ذكرياتى المخزونه بذلك الصندوق السحرى
حين تمطر اتذكرها واغلق يدى فينساب منها المطر

Friday, July 1, 2011

روشِتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

ضحك ملء شدقيه... برزت من عيونه شراره اشتهاء ونهم لجسدها البض ...
البسوها ثوبا ابيض ...كفنوها فيه . ..زينوها ببعض الحلى وكمموا نهدها الوليد بمشد ...خنقه
فى حجره نومها او فى المدفن كما تراها ....خلع ملابسه...رات ترهلات جسده الاسود البغيض ...انتشرت بالجو رائحه جوعه كريهه....
انتظرها فاردا جسده على النعش الطرى ...قالها بجفاء
- تعالى
ذهبت اليه صامته ...حاولت ان تقاومه...خافت منه ،ارعبها لهاثه وجوعه
-         حرام عليك ....ارحمنى
-         انتى ملكى
لم يزد عن تلك الكلمه ولا حرف ..ولاهى نطقت بعدها.....
زاد لهاثه...مضغها...سحق كل ما بها ...انتفض نفضه موت ..سال عرقه اللزج على لحمها .. امتلك كل شبر من ارضها....وارتمى جانبا ...
قامت لتغتسل...رائحته مازالت بها...ومازال جسدها على لزوجته فركته حتى ادمى
ادمنت العطور ..ادمنت كل شى قد يساعدها على ان تتحرر من رائحته ، اصبح وسواسها قهريا
بعد زمن ،جف بكاؤها الليلى ،اقلعت عن شرودها وكرهها لنفسها استعادت ابتسامتها ونضارتها ....شفيت
جأها بوصفه طبيه ،مكتوبه بخط ردىء .. قرأتها...حفظت انحناءات الخط ...واحبت ردائته
·        فحوصات ،مضادات حيويه ،فيتامينات ، تدليك للبروستات مرتين يوميا مده خمسه عشر يوما 
·        المراجعه بعد 15 يوم
تنظر للدواء النابت فى وسط  كفها باعجاب شديد...
تحركه لاعلى ولاسفل ...لم يعد فى تحريكه الان.... امامه ...
اى عيب ......!!!!
يستسلم لها فى وضع ذكورى مهين ....تغرس الدواء فيه بعنف تصفع أليته العاريه ...
- خلاص ...قوم
الالتهاب مزمن .... والتدليك اليدوى ضرورى  ....
 تمرن اصبعها  ....
لاعلى ....لاسفل .....لاعلى ....لاسفل ...
يجب ان يظل  رشيقا.... مرنا....
فهو ايضا لا غنى عنه....

شفا...............!!!

Saturday, June 25, 2011

أحتاج إليــــــكِ

أحتاج أن أشم رائحة جسدك  أن ألمس يديك ، أن أحتضن خصلات شعرك الفضية
أفترقنا
وبقيت وحدى
أصارع أيامى  من دونك........
صغيرة ..أتذمر من أوامرك ونواهيك
من أحتدادك على ...........من رفضك
كم تمنيت وقتها ان أعيش وحدى
كم تمنيت ألا تقتلنى نصائحك.......أن اخرج من القافله
خرجت ..........
أصبحت صاحبة بيت
تدفق حنانك كما لم أره من قبل
أتيك كل يوم لنحتسى شاى العصر كالصديقات
تسرين إلى بهمك وتعبك ، وأسر إليك بمشاكلى
أجرى إليك فتحتضننى ذراعيك كطفلة صغيرة
تحتضننى عيونك وصدرك
تغلف عالمى رائحتك
أنجبت أول أطفالى ...........صار قرة عين لك
تهدهدينه وكأنك تهدهديننى أنا
تطعميه فأشعر بطعم اللقمه فى فمى......
تدغدغينه فأضحك ملء الروح
بين ليله وضحاها تغير عالمى
إختفيت
مادت بى الأرض
طفله تحمل طفلها وتصرخ معه......
خنجر أصاب قلبى فلم يقتلنى
لا أنا حية أتنفس ولا ميته فارقتنى الروح
أيام وأنا معلقة بين السماء والأرض......
تقبلت.......فليس بيدى حيلة
مرت أيامى ثقيلة .....
أنجبت طفلتى الثانيه وحدى
وحدى تماما
مامن أحد بجانبى ....مامن مهتم أو مكترث ...ما من مقدر لآلامى
بكيت يتمى ......
حملت طفلتى بعناء وأرضعتها اول قطراتها وأنا أبكيك
بوجهى مسحة حزن لا تفارقنى أبدا.........
أشفق على أولادى من حرمانهم منك
وأشفق على نفسى من بعدى عنك
تمر بى الحياة بنواكبها فأشتاق أمانك
وحين أسعد وتتفتح أزاهير الحياة أمامى أشتاق مشاركتك وضحتك
أين انتِ؟
لم تركتينى؟ لم؟
أعلم أنه ما بيدك حيلة ......ولكنه ألمى الذى يكره فراقك .........وروحى التى تشتاق لقائك
أحن أليك
فلا تتركينى أبدا  ليمزقنى الحنين ........
تأتين
أراك لبضع دقائق
أطمئن عليك
أطفىء نار إشتياقى
أعلم أنك تحبينى وإلا لما زرتنى
أعلم أنك تعلمين إشتياقى لك .........فتحنين على ولا تتركينى وحدى
تمر بى بعض لحظاتك وأقف نفس مواقفك..........أاضعف ولا أستطيع سوى قول : الله يرحمك يا أمى.
اليوم أراك بعيون أخرى
ماذا كنت تملكين فى عالم موحش سوى ذلك؟
ليتنى عرفتك
   

Thursday, June 23, 2011

حٌــٌوت يٌوُنِس

-         رشيدة....رشيدة !!
-         يوسف ...
سارا فى الطريق الصاعد ...المختنق بالبيوت ...طويلة ...قصيرة... بيضاء...سوداء ، أو عارية من أى لون  ....
سارا حتى الشاطىء
صامتاً طوال الطريق لم ينبت ببنت شفة
صامتة هى أيضا....لم تتعجل كلماته ....
جلسا فوق أعلى صخرة...
الشمس تغرب ....
مد كفه ...تلك المستديرة ...السمراء... الناعمة ...
تلك التى لم يشكلها إلا كتابة حروف الأبجدية كأول ألم ...
مدها بطول ذراعه ...مشيراً
-         أمين سيسافر إلى هناك...؟؟
يصر أن اطلب منه ما أريد ....لم أجد برأسى شىء ....
لا أريده أن يسافر...
حمدون يرسل لسعيد الكثير من اللعب والملابس والحلوى من هناك ....
من البلد التى تأخذ الشمس
-         يوسف....بالأمس سمعت جارتنا تقول ، إن كل من من رحلوا الشهر الماضى ، منهم من عاد ، ومنهم من  فقد ...لم يتم التعرف عليهم إلا من خاتم أو بقايا وجه....أكلتهم وحوش البحر.
لم يعرها إنتباه....لم يكن يسمعها أصلاً...
تذكر حمدون حين عاد العام الماضى ...
يرتدى بنطلوناً من الجينز وقميص حريرى ملون وجاكيت من المخمل البنى ...وحذاء أسود يلمع ...أصبح سمينا ...و دائم الحديث مع الفتيات والشباب ...
أسبوع كامل وسعيد ذلك الغبى ذو الأقدام الكبيرة .... يجمع كل أبناء الصف حوله كل يوم يحكى لنا قصة أبو زيد الهلالى ...
السيد حمدون – أخيه -  وفتوحاته !!
ماذا أحضر ...وماذا يقول ...وألوان الملابس .... وأصناف الحلوى... وأنواع الطعام والجبن التى لم يروها بحياتهم ...ولم يراها كذلك أى منا .
يمتلك فيلا ، وسيارة  زرقاء بمقابض فضية ، وصديق شخصى للمأمور هناك يسهر معه كل ليلة ، وكل من بالبلد يحسب له ألف حساب ...
حمدون الأسطورة
ثمن حل الواجب لسعيد بك....ساندوتش من ذلك الجبن الأصفر ...
وحين نفذ الجبن ، عاد سعيد للعصى العشر على كفيه من جميع مدرسى الصف.
لم أتذوقها أبداً ...لا أحب الجبن ولا سعيد ولا حمدون ، فلابد أن ذلك الأخير هو الذى خرب رأس أمين  
-         دعينا نعود ....
يضرب الحصى والحجارة بمقدمة حذائه ...يسكنه الكثير من الغصب والكراهة لحمدون وسعيد
ظهر سعيد وكأنه جاء لقضاه.... ضرب يوسف إحدى الحصى عن عمد ليصيب سعيد فى مؤخرته.
إلتفت إليه سعيد فى غضب
-         هل جننت؟؟
-          لست أنا المجنون بل أنت وأخوك وأهلك جميعاً
نَفَس يوسف عن غضبه ...
فرصة
-         رشيدة إذهبى أنت للبيت....عودى
-         ولكن !!
-         عودى
قالها بسخط وصوت عال ...نفرت عروق  رقبته ...كادت أن تنفجر.
طاوعته ...هرولت دون أن تلتفت.
أمسك يوسف بتلابيب سعيد ورغم ضخامتة إلا أنه حتى فى العراك كان غبيا...وبالرغم كذلك من ضآلة  يوسف إلا أنه تمكن منه ، أوقعه أرضا كالثور وظل يحثو على وجهه التراب ويضعه فى فمه غلاً
-         أنت وأخوك سر الخراب ... أنت وحمدون ذلك الغراب .... أتى مرة واحدة بوجهه المنحوس ليأخد خلفه سفن بنات وشبان ونساء ...
لم يبقى بالبلد أحد ...
أخوك المنحوس يأكلهم ...
ماذا يريد من أمين ماذا يريد ؟؟
أنت وحمدون
عزرائيل  وإبليس...أنت تغوى الأطفال بساندوتش الجبن ، وهو بكلامه ...
-         أتركنى يا مجنون ......والله سأجعل رجال حمدون يسلخوا جلدك
-         فليأتى إن كان رجلاً .... فلينجدك منى .... أنت وحياتك أمام أمين وحياته ولو إنك أرخص بكثير...
خلصه بعض المارة من يد يوسف ...
هرول سعيد كفأر مذعور ....مضى يسب ويلعن ويتوعد
سار يوسف حتى البيت وصدره يرتفع وينخفض من شدة الإنفعال
إغتسل وبدل ثياب المدرسة والخروج فى ذات الوقت وبقى بثياب البيت الوحيدة كذلك   
قرع باب غرفه أمين ...فتح الباب حاملا كوباً كبيراً من الشاى العكر ،ما تبقى  من براد الأمس  
-         أمين ....أمين
مستلقياً على سريره واضعاً إحدى يديه تحت رأسه وبالأخرى يمسك بسيجارة لا يوجد فيها إلا خط طويل من الرماد الثابت ....
عمود صلب من اللاشىء...
أمين أيضا يحلم ويشتهى ساندوتش الجبن الأصفر ...!!
جلس بجواره ولم يضع الكوب من يده...رغم سخونته
-         لقد كنت  أنا ورشيدة عند الصخره ورأيت البلد التى تاخذ الشمس...
البر الثانى....قريب جداً...
أمين لا تذهب ....
إصبر ... فقط حتى أكبر قليلاً...
لم يقص عليه ما كان بينه وبين سعيد .... لم يرد لا تأنيباً ولا تأديباً من أمين
سنسافر دون أن ندفع درهماً واحداً....
صدقنى...لدى طريقة
سنذهب أنا وأنت كل يوم إلى الشاطىء من العصر للمغرب ...كل يوم سنرمى كل ما نستطيعه من أحجار فى البحر....كل يوم كل يوم ....
سنبنى جسرنا...
سنعبر
لم يراه أمين ....فقد إستحوذ عليه حلم حمدون ....
كل عائد هو حمدون...وكل مغادر يطمع فى أن يصبح حمدون
لم ييأس يوسف أو يحبط من صمت أمين ....
إن كنت لا تستطيع أن تبنى معى .......سأذهب وحدى ....سأبنى وحدى .... لنا
ذراعى تستطيع أن ترمى حتى الفنار...
الفنار وسط البحر تماما ...نصف المسافة للبر الثانى
تحركت مقلتى أمين بإتجاه يوسف
لا تسخر منى أمين أرجوك ...إسمعنى فلدى خطه ....
الليلة سأحدث أمك عن خطتى ولابد أنها ستوافق....
هى أيضا لا تريدك أن تذهب ، لا تريد أموال مارسية المرابية...
لاتريد أن تبكى كل ليله لأن النقود لاتكفى ...
أمك ستوافق لأنى سأعطيها الحل لكل شىء ...
إبق ......
أمين لا تتركنى ...
سأساعدنا
سأعرض عليها أن أذهب لخدمة بومعروف الغجرى عند الجبل...
بومعروف المشعوذ ذو القدرات الخرافية...أسود...باهت الثوب.. ملثم.. وكأنه ولد بلثامه أو ولد بنصف وجه ، عينيه متغصنة منكسرة ...سوداء زرقاء... ذات ظفره بيضاء فى يمناها....مخيفه
حدبتة كسنام الجمل....
كل شهر ينزل من الجبل كعادته لشراء المؤن متكئاً على عصاه ...
شاغبه شاب وإستوقفه ... ظل يزعجه هو وبعض الصبية .
ظل بو معروف صامتاً ، لم يرف له جفن ولم يسمع له صوت وحين إنتهوا من سخريتهم ، أزال لثامه .
هرع الفتية جرياً إلا واحداً منهم ...البادىء بالمشاغبة...
بلل سرواله ...
يقولون أنه رأى وجه بو معروف كوجه عفريت ...
وأخرون يقولون أنه رأى لسانه مشقوق الطرف كثعبان!!
أنا لا أخاف بو معروف 
بومعروف كبير السن  ووحيد سيرحب بخدمتى له ......سأخدمه بنصف راتب سنعيش منه بالاضافة لراتبك ، والباقى سيؤديه لى حين يأون الأوان...
سأخدمه لسنوات من الفجر للعصر....سنوات ثمنها طلبان... الأول أن يعلمنى كيف أسير على الماء....سيعلمنى ...سأرجوه وسيعلمنى
سنسير معاً على جسرنا حتى ينقطع ...سأحملك على ظهرى وأسير بك على وجه الماء من الفجر وحتى الغروب ....الباقى من المسافة 
يوسف يحكى بحماسة منقطعة النظير وكأن الخطة حقيقية وكأن تنفيذها ممكن وأن كل ما ينقصه فقط هو بقاء أمين وموافقته على الخطة...    
فى البلد التى تأخذ الشمس لا وجود لوحوش البحر... الشمس هناك لا تغيب...
أما بعد الغروب عندنا فلا يمكننا إكمال المسير ابداً.......خطر
الماء عندنا خطر فى الليل..وحوش البحر تشم رائحة الإنسان وتنادى ...الأغبياء والجهلة...ينزلون إليها ...خرقى....!!!
لابد أن من ماتوا ولم يعودوا ....هم الخرقى...
حوت يونس يعرف الطريق إلى بلد الشمس ....لقد سافر بسيدنا يونس من بلده لبلد الشمس ...
حوت يونس هو الذى سافر بحمدون وعبيد وعبد الرب .... سيأتينا... سيأتينا إن عجزنا عن الوصول حتى الغروب
أعرفه ...أزرق ...جميل .... هادىء ...لا صوت له .... يسبح دائما قرب السطح ... يلتقط فقط من يعرفونه ...من يثقون به ...... يلتقط فقط الطيبين ... أنا وأنت طيبون ...
سيفتح فمه الكبير وسندخل بكل هدوء ، لن أضعك عن ظهرى أبداً... حتى فى بطن الحوت
أكيد أن حمدون كان طيبا قبل أن يذهب هناك وإلا لما وصل ، ولرفض الحوت أن يحمله فى جوفه ...
لو كان يعلم أنه سيصبح ذلك الحمدون المنحوس لهضمه أو لتركه لوحوش البحر...
فتر ثغر أمين عن إبتسامة ..
حوت يونس يعرف كل بلاد الشمس...
نعم يعرفها ...
قالها يوسف فى تحد لأمين ...
ظن إبتسامتة سخرية من قدرات الحوت!!!!
لن نحتاج لعشرين ألف دولار ... لك ولى
لا تذهب يا أمين ... لا تتركنا
قالها فى رجاء ...
ربت أمين على كتفه وساد السكون للحظة ثم باغته بسؤال عن أحوال المدرسة وأحواله
-         أنا من المتفوقين ... وفى صف المتفوقين تقرأ لنا المدرسة كل يوم قصة ...الأسبوع الماضى قرأت لنا قصة من كتاب بغلاف ملون جميل ، عليه صورة ملثم يشبه بو معروف كثيراً ...القصة تحكى عن صبى يبحث عن كنزه.......
قالت لنا : أن الإنسان إذا أراد شيئاً بحق فإن العالم كله يتحد ليحقق له ما يريد
الكتب لا تكذب .... كتبهم لا تكذب....فى بلاد الشمس لايكذبون...
أريدك أن تبقى وأريد أن نذهب سوياً...
ستحقق لى الحجارة و بو معروف والحوت ما نريد
أليس هذا هو العالم....؟
لا تخف ، لن أفشى سرنا أنا وأنت فقط سنعرف الطريق ... أنا وأنت فقط سنذهب ...
أما رشيدة وأمى فسنرسل لهم تعويذة...
باقى ثمن خدمتى لبو معروف ....تعويذة الطائر...سيحولهم بو معروف طيوراً  لمدة يوم واحد فقط ....المسافه بالطيران لن تستغرق أكتر من ذلك ......وحين تغرب الشمس سيحطون على سقف بيتنا ونراهم ثانية ...
إشرب ...
إن شاء الله سنصل ....
سنعيش نحن الأربعة فى بيت سقفه من الزجاج ، ممتلىء بنور الشمس ....
سيولد أولادنا هناك
أنا ورشيدة إتفقنا أن ننجب عشرة أطفال ، لن يرحلوا عنا أبداً ...لن نتركهم أو يتركونا أبداً....
أمين أرجوك
لم يطمئنة ولم يواجهة بالحقيقة .... إكتفى بالإبتسام وإرتشاف الشاى بارداً  ....
هدأ يوسف وظن أمين موافقاً ومقتنعاً بخطتة
سار إلى الصالة حيث ينام ...بخطى مطمئنه....نام قرير العين كما لم ينم أبداً
مع أول خيط أبيض جاءت الشمس ...
أخذت أمين  ....
لم أعد أحتمل حياتى هنا ...شهادتى المتوسطة لا تساوى إلا 20 دولار بالأسبوع  150 درهم...ماذا يفعلون؟
كل أسبوع أضعهم فى يد أمى ولا أنتظر منها شكراً أو دعوةً أو أى شىء ، أتفادى النظر لعينيها الناطقتان بالحسرة والتساؤلات.... 150 درهماً ماذا نفعل بهم؟
أضع النقود فى يديها فراراً ...لولا الخجل لرميتها فى حجرها ...ولكن ما ذنبها ؟
وماذنبى أنا أصلاً...؟
أهرب من البيت حتى لا ترانى ....
ترفع رأسها للسماء طالبة للرزق
خبلاء ....!!
الرزق لا يأتى لبلادنا ولا لمن هم مثلنا...الرزق ليس هنا ...الرزق ...عصىٌ ...صعب وعنيد يكرهنا...
الرزق يأنفنا...
يهرب منا للبر الثانى
خمسة عشر يوما قضاها فى التحقيقات كيف أتى ومع من ، ومن هم الذين قاموا بتهريبة للحدود...؟ أسئله كثيرة كثيرة ....وكسرة خبز وعلبة عصير و زجاجة ماء
عشرة ألاف دولار ثمن السفر .... ثمنه ...ضاعت كلها......وضاع هو أيضا فى خيمة عند البر الثانى.
ينهى عمله ليتسكع طول الليل...مع المتعلم  والجاهل والمتسول واللقيط والبغى ....
ذات يوم ذهب معهم للمدينة ...نزهة...
عاد بعدها ليجرب أول سيجارة حشيشة فى حياته...فوق الصخرة
المبانى جميلة منمقة معلق عليها لافتات أجبرته على الحشيشة...
رأى أسواق أجبرته على الحشيشة....
رأى كل شىء يدفعه بقوة للحشيشة
للبيع شقه مساحة 80 متر، مليون درهم ....
قميص شتوى مخطط 350 درهم...
بنطلون صوف 270 درهم ...
حذاء 560 درهم...
للإيجار ستوديو 2500 درهم بالشهر
جلسوا فوق الصخرة فى خط مستقيم ، متجاورين صامتين ...
أشعل أولهم سيجارة ...سحب منها نفسا وأعطاها لمن يجاوره فى حركة أوتوماتيكية ، تناولها جاره فى صمت ...مرت على الصف كله فى ثبات وتعاقب
وحين عادت ليد مشعلها بدأ الحديث بينهم كل حسب دوره ، بذات إنتظام الأنفاس
-         أول مرة أرى المدينة ........مبانيها جميلة .... لا تقارن بتلك الأعشاش التى نسكنها
-         إشتهيت نساء المدينة ... مثيرات ...!!
-         محلات الأطعمة .....آه ...لو أسطو على إحداها ......سأطعم العائله سنة كاملة...
-         يجب أن نموت أنا و يوسف و أمى من الجوع لأشترى قميص وبنطلون وحذاء وأرتديهم على اللحم ....دون ملابس داخلية !!
قهقهوا جميعا فى صوت واحد .... بإنفعال شديد....
-         يجب أن أصوم عاماً كاملاً حتى أستطيع إيجار ستوديو بالمدينة ، أدفع إيجاره شهرين لأنام على البلاط  ، وباقى السنة فى الشارع ....ستر شهرين وفى العراء عشرة .!!
-         وأنا يجب أن أعيش 120 عاماً ولا انفق درهماً واحداً لأشترى بيتاً شقه 80 متر....جعان وعارٍ تماماً 120 سنة !!
-         عندى إقتراح نحن  10كل واحد منا يدخر كل دخله 10 سنوات ونشترى الشقة ....نصبح فيها شركاء.
-         يا الله ...كيف ...؟؟  وماهر ذلك السمين... إنه يحتاج وحده 100 متر لذلك الكرش فقط....ماذا تأكل يا أخينا حتى تسمن هكذا....؟؟؟
-         حارتهم لا قطط ولا فئران ولا حتى صراصير فيها ....ماهر المبيد
سرى الضحك فيهم كالمجنون حتى أنهم بكوا منه...على حالهم
-         مقبرة ....نتشارك و نشترى مقبرة  ...
-         ياسلام ...لو أن الإنسان أحادى التناسل ......دون أن نتزوج ننجب ... منا فينا؟؟؟
-         يمكننا أن نعمل بالدعارة...أنت سوسو وأنا لميا ..وماهر...
-         ماهر لا يصلح .....سيظل ماهر
-         أنا يا كلاب ....انا أجمل منكم جميعاً .....سيتهافت على الرجال
قام ليتهادى ويضحك بغنج .... ماتوا من ضحكهم عليه
-         للأسف لانصلح حتى فى الدعارة ..... يجب أن نكون من مستوى أخر وبيئة أخرى حتى يتم تثميننا بجودة ....أما ونحن على حالنا هذه ....!! فقر
-         ننتحر... سمعت أن الفئران فى دولة ما تنتحر جماعة
-         هل تعتقدون أن الانتحار فى حالتنا سيدخلنا جهنم؟
-         لا ... لابد أن كل من أنتحر وكان راتبه 150 درهم بالاسبوع سيدخل الجنة
-         نتاجر فى المخدرات
-         نحن نشربها فقط لكن لا نبيعها ...حرام
-         أسهل من كل ذلك أن نذهب إلى هناك
سكتوا جميعا ...
أطل الفجر .... ذهب كل إلى بيته
الحشيشة تقرب البعيد ...تجعل الأحلام حقيقة ... تضحكنا...وتصنع المعجزات...
نأتيكم ونعمل ونكسب أموالاً ونؤسس بيوتاً على البحيرات ... نتزوج جميلاتكم ونعيش ... الحشيشه تذهب بالعجز بعيداً...تريحنا .....تذهب بنا إليكم ...للبر الثانى .....
تلحق بنا عائلاتنا.....نحيا ونعمل وننجب أولاداً يرون الأرض وليس البر الثانى...
يتعلقون بنا ...لا نفقدهم أبداً... يحبونا ....
تقدمت للعمل فى إحدى الدوائر الحكومية فى أول شهر من تخرجى...لم يصبنى الدور...
إعلان فى دار البلديه مطلوب كاتب ...تقدمت ، لم يصبنى الدور ....
طلبت العمل كفراش ... تعجبوا منى
-          مؤهلاتك أكبر من الوظيفة ...!!!
 فعلا مؤهلاتى أكبر...مؤهلاتى هنا عند الباب ذى الضوء الخافت ، الذى تشع منه رائحة الجنون ...جنونهم بمثليتهم ...بجنسهم .....وبلحومنا التى لم تبلغ الحُلم بعد
 مؤهلاتى جعلتنى حارس بوابة جهنم.....أؤمن غذاء دمى اللحم ، بما يبقيها جاهزه للإلتهام مرات ومرات ...
نفحتى ...بقايا...زجاجة عصير ، أو ماء ، وربما بضعة دراهم لشراء رغيف من الخبز...
ذنب حارس جهنم أكيد أهون من ذنب أهلها...أكيد
 يوسف ....
كل يوم أعود من جهنم مذعوراً مما أراه ...أجرى معه تحقيقاً ...وقبل أن أذهب أوصيه وأوصيه ، ولا أتركه أبداً قبل أن يقسم بأنه لن يذهب لأى مكان بعد المدرسة ، وأنه لن يلعب فى الطرقات بعد الغروب وأنه لن يكلم غريباً... وأنه... وأنه .......
سئم منى وسئمت أنا من نفسى ، من ذعرى وعجزى
خفت أن أراه مقطعاً فاقداً كلية أو عين أو لا أراه أبداً ....خفت أن يتحول لدمية من اللحم هنا
أختنقت بخوفى وأحلامى
ذهبت لمارسية وزوجها الحاج بو مسعود  ليقنعا أمى  بأن السفر فى هذه السن أفضل ....
لن يحاكمونى ......
سأعمل و أرسل لهم ما يقيهم العوز وسأسدد أقساط مارسية ... سأسدد ثمنى...ثمننا كلنا ...
سأظل هناك حتى أبلغ الرشد ... سأصبح من مواطنى البر الثانى....منكم.
حينها ...سيأتون إلى جميعا... سنولد فى النهار بطريقة شرعية ...
كلنا ستلمسنا عصاكم  السحرية فنتحول بشراً ....آدميين........
أنا وأمى ويوسف...وأولادى ...وأحفادى ... سنصبح جيلاً مسحوراً
أرجوكم لا تعيدونى ......سأعمل خادماً ...متسولاً ....  أى شىء ولكن لا تعيدونى.......
ماذا سأقول لأمى... ومارسية المرابية...؟
كيف سنسدد الدين...؟كيف سأنظر لعينى يوسف...؟ماذا أقول...؟
جيراننا .....سيتهامسون على.... ستحرقنى نظراتهم .....
الفاشل
ليس رجلاً
سأفعل أى شىء حتى لا تعيدونى ...سأصير دميه لحم...ولكن لاتعيدونى
فى الصباح أقلته حافلة كبيرة هو وألف حمدون خائب ...
خالى الوفاض
ملتحفاً ببطانية من الصوف الرخيص وعلبة عصير ورغيف من الخبز وزجاجة ماء
مهزوماً....منكسراً...
لم تفارقه نظرات الأسى
جاء مقعده بأخر صف ......ينظر من السجن الزجاجى الى الوراء ...إلى اللا شىء...
يحارب رغبة عارمة فى القفز من الباص ...
-         أهذا كل ما إستطعتم أن تعطونى إياه ...نفس البقايا هنا وفى جهنم هناك ...
نصيبى منكم ومن الدنيا
زجاجة ماء ورغيف خبز وعلبة عصير...؟؟
أنا من حاربت حتى آتيكم... كيف تتجاهلونى ... كيف؟
ماذا كنت سأكلفكم ...ماذا سنكلفكم...؟
ليتنى إستمعت ليوسف...
إرتفعت حرارته بشدة ... أذابت الحمى لحمه ...
يمتطى فرساً خرافياً...
جاءه الصوت ...العدو من أمامكم والبحر من خلفكم.......
دخل المدينة فاتحاً ...
صغار هم كأسراب النمل...ينظرون إليه ولايرون وجهه
يلمع ...يشق جواده الريح و يمر ... يحيل الظلمات نوراً وتخضر تحت حوافره الأراضى القفار...تقرع قوائمه التراب فتتفجر عيون وينابيع ....
تنثر النساء والأطفال خطاه ذهباً وورداً ... ينحنى له الرجال إجلالاً
يوسف يحمله على ظهره ويخرج  به  من بطن الحوت